الجمعة، 28 يوليو 2017


الشيخ أبو يعقوب يوسف بن أيوب بن يوسف بن الحسين بن وهرة الهمذاني  


وَحكى إِمَام الشَّافِعِيَّة فِي زَمَنه أَبُو سعيد عبد الله بن أبي عصرون قَالَ: دخلت بَغْدَاد فِي طلب الْعلم فَوَافَقت ابْن السقا ورافقته فِي طلب الْعلم بالنظامية وَكُنَّا نزور الصَّالِحين وَكَانَ بِبَغْدَاد رجل يُقَال لَهُ الْغَوْث يظْهر إِذا شَاءَ ويختفي إِذا شَاءَ فقصدنا زيارته أَنا وَابْن السقا وَالشَّيْخ عبد الْقَادِر وَهُوَ يَوْمئِذٍ شَاب
وابن السقا فقيه من أعيان القرن الخامس الهجري. وكان لكل واحد منهم نيّة خاصة في زيارته للشيخ يوسف الهمداني،
وهم في الطريق إلى زيارة الشيخ يوسف الهمذاني سألوا بعضهم لماذا نذهب لزيارته؟
 فقال ابن السقا لصاحبيه وَهم سائرون: اليوم أريد أن أسأله سؤالا أحيّره فيه، لأسألنه مسألة لَا يدْرِي ولا يعلم لَهَا جَوَابا، إن قصدي من زيارة الشيخ أن أمتحنه في علوم الشريعة وأن أبين جهله للناس المغترين به.
وابن عصرون قال: وَقلت لأسألنه مسألة وَأنْظر مَا يَقُول فِيهَا، سأطلب منه الدعاء لي بالغنى ومزيد من المال، أريد زيارته لأتبرك فيه،
 وقال الشَّيْخ عبد القادر الجيلاني: أما أنا فقد قيل لي عن صلاحه ومناقبه سأزوره لأتبارك به ولأتقرب بصحبته ومحبته إلى الله، وسأسأله الدعاء لي، لا أسأله بركة ولا امتحانا، معاذ الله أن أسأله شيئا أَنا بَين يَدَيْهِ أنْتَظر بركَة رُؤْيَته بل أتبرك برؤيته، وأنا أعلم أن الشيخ يُقصد باب إلى الله، ولعل الله أن يفتح عليّ ببركة الشيخ،
قال: فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ فَلم يروه في مكانه إِلَّا بعد سَاعَة وهم على هذه الحال وإذا بالشيخ يظهر أمامهم وهو جالس، فَنظر الشَّيْخ إِلَى ابْن السقا مغضبا وهو لا يعرفه وَقَالَ:
- وَيحك يَا ابْن السقا لعلك جئت تَسْأَلنِي عن مسألة لَا أَدْرِي لَهَا جَوَابا، يابن السقاء أرى الجدال والكفر بين عينيك. لعلك جئت إلينا تسألني عن كذا وكذا مسألة لا أعرف جوابها؟ هي كذا. وجوابها كذا. وكان قد ذكر أمورا كان ابن السقا قد أضمر العزم على أن يسأل الشيخ عنها. وأجابه عنها.  ثم قال له: إِنِّي لأرى نَار الْكفْر تلتهب فِيك، ثم التفت لابن عصرون قائلا:
- انت تقصدنا للبركة ، وإذا أردت البركة فاذهب إلى مكة ، لتغمرنّك ولتخزن الدنيا إلى شحمتي أذنيك بإساءة أدبك. سيأتيك المال إلى هنا وأشار إلى أعلى صدره، ثمَّ نظر إِلَى الشَّيْخ عبد الْقَادِر وَأَدْنَاهُ مِنْهُ وأكرمه، ثم خاطبه قائلا:
- يَا عبد الْقَادِر لقد أرضيت الله وَرَسُوله بِحسن أدبك كَأَنِّي أَرَاك بِبَغْدَاد وَقد صعدت الْكُرْسِيّ متكلما على الْمَلأ وَقلت قدمي هَذِه على رَقَبَة كل ولي الله وَكَأَنِّي أرى الْأَوْلِيَاء فِي وقتك وَقد حنوا رقابهم إجلالا لَك ، ثمَّ غَابَ عَنَّا فَلم نره ،
ثم إن عاقبة كل من ابن السقا وابن عصرون كانت كما قال الشيخ، صدق قوله فيهم جميعا، رزق ابن عصرون من المال ما جعله أغنى الناس في عصره وقبره في دمشق في المنطقة التي تسمى اليوم بالعصرونية.
قال ابن أبى عصرون:
-وأما الشيخ عبد القادر فقد ارتقى حتى ظهرت أمارة قربه من الله تعالى. وأجمع عليه الخاص والعام. وقال: قدمي هذه على رقبة كل ولى لله في زمنه، وأقرت الأولياء بفضله في وقته لَهُ بذلك،
-وأما ابن السقاء فانه قد تكرر سوء ادبه مع الشيخ يوسف بمفرده ومع أصدقائه، وان كان يحفظ القرآن وقارئًا له،  محمودًا ومجوداً في التلاوة، فانه كان معتداً بعلومه ومعارفه الدينية في العقيدة والفقه وكان مشهوداَ له بذلك، و اشتغل بالعلوم الشرعية حتى برع فيها، وفاق كثيرا من أهل زمانه، واشتهر بقطع من يناظره في جميع العلوم، وكان ذا لسان فصيح وسمت بهي، فأدناه الخليفة منه، وتم الاختيار عليه ليكون مبعوث الخليفة، فأوفده الخليفة مبعوثا عنه إلى بعض ملوك الفرنجة، ملك الروم بالقسطنطينية ليناقش النصارى هناك في شؤون الدين، وذلك بدعوة من الملك ورغبه منه في ذلك، ونزل ضيفاً مكرماً على الملك نفسه، فرآه الملك ذا فنون وفصاحة وسمت فأعجب به، وجمع له القسيسين والعلماء بدين النصرانية وناظروه فأفحمهم وعجزوا فعظم عند الملك وزادت فتنته،   
وأوعز إلى ابنة له أن تتزين وأن تقوم على خدمته وإكرامه، وكانت حسناء فافتتن وتعلّق قلبه بها وطلب الزواج منها وسأل الملك أن يزوجها به، فأبى الملك وامتنعوا من تزويجها منه إلا أن يتنصر، فأجابه إلى طلبه وتنصر، وتم إعلان ذلك في الأوساط، ثم إنهم أنهوا استضافته وأهملوا شأنه وأبوا أن يزوجوه منها ولم تتزوجه هي، فهام على وجهه،
ثمَّ مرض فألقوه بِالسوقِ وبدا يسْأَل الْقُوت فَلَا يُجَاب، وعلته كآبة وَسَوَاد حَتَّى مر عَلَيْهِ من كان يعرفهُ فَقَالَ لَهُ: مَا هَذَا قَالَ: فتْنَة حلت بِي سَببهَا مَا ترى قَالَ لَهُ: هَل تحفظ شيأ من الْقُرْآن قَالَ: لَا إِلَّا قَوْله {رُبمَا يود الَّذين كفرُوا لَو كَانُوا مُسلمين}  
قَالَ: ثمَّ خرجت عَلَيْهِ يَوْمًا فرأيته على المزابل َ كأَنَّهُ قد حرق وجاءه الموت وَهُوَ فِي النزع فذكّروه بالشهادة فلم يستطع أن ينطق بها وهو يقول: الشيخ يوسف أمسك لساني فلا أقدر، فقبلته إِلَى الْقبْلَة فَاسْتَدَارَ إِلَى الشرق فعدت فَعَاد وَهَكَذَا إِلَى أَن خرجت روحه ومات على مزبلة وَوَجهه إِلَى الشرق وَكَانَ يذكر كَلَام الْغَوْث وَيعلم أَنه أُصِيب في دينه بِسَبَبِهِ. نسأل الله أن يحفظنا من سوء الخاتمة،
وقال الحافظ أبو عبد الله محمد بن محمود المعروف بابن النجار البغدادي في تاريخ بغداد في ترجمة يوسف الهمذاني: سمعت أبا الكرم عبد السلام بن أحمد المقرئ يقول: حدثني من رآه في القسطنطينية ملقى على دكة مريضاً، وبيده مروحة خَلَقة يدفع بها الذباب عن وجهه، قال: فسألته: هل القرآن باق على حفظك؟ قال: ما أذكر منه إلا آية واحدة: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} [الحجر: 2] والباقي نسيته. وقضى نحبه متنصراً مهملاً في أسواق القسطنطينية. نعوذ بالله من سوء القضاء،
وفي تاريخ ابن خلكان، في ترجمة الإمام يوسف بن أيوب الهمذاني الزاهد صاحب الكرامات والأحوال: أنه جلس يومًا للوعظ، واجتمع إليه الناس، فقام مِنْ بينهم فقيه يعرف بابن السقا، وآذاه، وسأله عن مسألة، فقال له: اجلس؛ فإني أجد من كلامك رائحة الكفر، ولعلك أن تموت على غير دين الإِسلام، ثم مضى ذلك، وقدم رسولُ ملكِ الروم على الخليفة، فخرج ابن السقا مع الرسول إلى القسطنطينية، فتنصَّر، ومات نصرانيًا،
وفي كتاب صب الخمول: قال الشيخ الصالح أبو الفضل صافي بن عبد الله الصوفي: حضرت مجلس شيخنا يوسف الهمذاني في النظامية، وكان قد اجتمع عليه العالم من الناس، فقام فقيه يعرف بابن السقا، وسأله عن مسألة وأذاه بالكلام، فقال له الشيخ يوسف: اجلس، فإني أجد من كلامك رائحة الكفر، ولعلك تموت على غير دين الإسلام، 
قال أبو الفضل: فاتفق بعد هذا القول بمدة أن قدم رسول نصراني من ملك الروم إلى الخليفة، فمضى إليه ابن السقا، وسأله أن يستصحبه، وقال له: يقع لي أن أترك دين الإسلام، وأدخل في دينكم؛ فقبله النصراني، وخرج معه إلى القسطنطينية، والتحق بملك الروم، وتنصر، ومات على النصرانية،
قَالَ ابْن أبي عصرون:
 - وأما أنا فجئت إِلَى دمشق. فأحضرني السلطان الصَّالح نور الدين الملك الشهيد وأكرهني على ولاية الأوقاف فوليتها، فكلّفوه بتسجيل وإحصاء أوقاف المسلمين، فكانت تفوته صلاة الظهر والعصر، وهو منشغل في الدنيا حتى إلى ما بعد صلاة العشاء، قال: وَأَقْبَلت علي الدُّنْيَا إقبالا كثيرا،
وقد صدق قول الغوث فينا كلنا،  
قال الهيثمي في الفتاوى الحديثية: وَفِي هَذِه الْحِكَايَة الَّتِي كَادَت أَن تتواتر فِي الْمَعْنى لِكَثْرَة نَاقِلِيهَا وعدالتهم فِيهَا، أبلغ زجر وآكد ردع عَن الْإِنْكَار على أَوْلِيَاء الله تَعَالَى خوفًا من أَن يَقع الْمُنكر فِيمَا وَقع فِيهِ ابْن السقا من تِلْكَ الْفِتْنَة الْمهْلكَة الأبدية الَّتِي لَا أقبح مِنْهَا وَلَا أعظم مِنْهَا نَعُوذ بِاللَّه من ذَلِك ونسأله بِوَجْهِهِ الْكَرِيم وحبيبه الرؤوف الرَّحِيم أَن يؤمننا من ذَلِك وَمن كل فتْنَة ومحنة بمنه وَكَرمه،
قال الدَّميريُّ في كتاب حياة الحيوان بعد هذه الحكاية: فانظر يا أخي كيف هلك هذا الرجل، وخذل بالانتقاد، وترك الاعتقاد، نسأل الله السلامة، قال: فعليك يا أخي بالاعتقاد، وترك الانتقاد على المشايخ العارفين، والعلماء العاملين، والمؤمنين الصالحين، فإن حرابهم مسمومة، فقلَّ مَنْ تعرض لهم وسلم، فسلِّمْ تسلَمْ، ولا تنتقدْ تندمْ، واقتدِ بإمام العارفين، وعلامة العلماء العاملين، ورأس الصديقين في وقته الشيخِ عبد القادرِ الكيلانيِّ، لما عزم على زيارةِ الغوثِ بمكة، وقال رفيقاه ما قالا، فقال: أما أنا، فأذهب على قدم الزيارة والتبرك، لا على قدم الإنكار والامتحان، فآل أمرُه إلى أن قال: قدمي هذا على رقبة كلِّ وليٍّ لله، وآل أمرُ أحدِ رفيقيه إلى الكفر، وترك الإيمان؛ كما اتفق في هذه الحكاية، وآل أمرُ الآخر إلى اشتغاله بالدنيا، وتركِه خدمة المولى. نسأل الله التوفيقَ والهدايةَ والإماتة على الإيمان بالله وبرسوله، والاعتقاد الحسن في أوليائه وأصفيائه بمحمد وآله، انتهى كلامه،
كان أبو يعقوب صاحب الأحوال والمواهب الجزيلة والكرامات والمقامات الجليلة، وإليه انتهت تربية المريدين الصادقين، وكان قد برع في الفقه، ففاق أقرانه، خصوصاً في علم النظر، قدم بغداد ولازم الشيخ أبا إسحاق الشيرازي، واشتغل عليه حتى برع في أصول الفقه والمذهب والخلاف، وسمع الحديث من جماعة ببغداد وأصبهان وسمرقند، ثم زهد في الدنيا، ولزم العبادة والرياضة والمجاهدة حتى صار من العلماء الذين يهتدي بهم الخلق إلى الله عز وجل، وعقد له مجلس الوعظ في المدرسة النظامية في بغداد، وصادف قبولاً عظيماً من الناس وكان الشيخ أبو إسحاق يقدمه على جماعة كثيرة من أصحابه، مع صغر سنه، لزهده وحسن سريرته واشتغاله بما يعنيه، ثم ترك كل ما كان فيه من المناظرة، واشتغل بما هو الأهم من عبادة الله تعالى ودعوة الخلق وإرشاد الأصحاب إلى الطريق المستقيم، ونزل مرو وسكنها، وخرج إلى هراة وأقام بها مدة، ثم سئل الرجوع إلى مرو في آخر عمره فأجاب، ورجع إليه، وخرج إلى هراة ثانياً، ثم عزم على الرجوع إلى مرو، وخرج فأدركته منيته في الطريق، فدفن ثم نقل بعد ذلك إلى مرو، ونقل ذلك ابن النجار في تاريخه عن السمعاني،
وفي سنة خمس وثلاثين وخمس مائة توفي أبو يعقوب يوسف بن أيوب بن يوسف الهمذاني، الفقيه الفاضل العالم الباني،

عبد الله الرواس - طنجة





محمد التافلالتي
 (000 - 1191 هـ) (000 - 1777 م) :
محمد بن محمد بن الطيب التافلاني، التافلالتي التافلاتي المغربي، الأزهري الخلوتي ، المالكي، ثم الحنفي فقيه،اصولي، محدث، باحث،  اديب، شاعر، ناثر، من الفضلاء. مفتي الحنفية ، تولى افتاء على مذهب الامام ابي حنيفة بالقدس الشريف ،  وقد كان مالكيا، وتحول إلى المذهب الحنفي. علامة العصر الفائق على أقرانه من كبير وصغير وله الفضل الباهر وكان في الأدب الفرد الكامل، له الشعر الحسن مع البداهة في ذلك وسرعة نظمه وذكاؤه يشق دياجر المشكلات،
له تصانيف كثيرة، قال المرادي: ناهزت الثمانين. ما بين منظوم ومنثور وكتب ورسائل في فنون شتى، قال في الأعلام: جلها لا يزال مخطوطا،
قال الكتاني: وهو ممن أفردت ترجمته بالتأليف.
ولد في المغرب الأقصى، وحفظ القرآن على طريق الامام الداني وهو ابن ثمان سنين، ثم اشتغل في حفظ المتون على والده وكان والده متوسطاً في العلم بين أماجده، وقرأ عليه الأجرومية وعلى الشيخ محمد السعدي الجزائري السنوسية ومنظومة في العبادات مختصرة في المسائل الفقهية، ودرس السنوسية للطلاب قبل أوان الاحتلام، 
ورحل من بلاده في البر إلى طرابلس الغرب وما وجبت عليه صلاة ولا صيام، ومن طرابلس ركب البحر إلى الجامع الأزهر، فطلب العلم بمصر سنتين وثمانية أشهر، وأخذ عن شيوخه هناك،
ثم سافر لزيارة والده في البحر، فأسره الفرنج، وذهبوا به إلى جزيرة مالطة، ثم نجاه الله تعالى بعد سنتين وأيام،
وناظرته رهبان النصارى مناظرة واسعة وكان فيهم راهب له دراية بالمسائل المنطقية والعربية ويزعم أن همته بارعة وكانت مدة المناظرة نحو ثمانية أيام فأخرسهم الله وأكبتهم ووقعوا في حيص بيص وألجموا بلجام الالزام،
فمن جملة مناظرتهم معه في ألوهية عيسى أن قال كبيرهم: يا محمدي إن حقيقة عيسى امتزجت مع حقيقة الاله فصارتا حقيقة واحدة،
قال:  فقلت له : لا يخلو الأمر فيهما قبل امتزاجهما ، اما أن تكون قديمتين أو حادثتين أو إحداهما قديمة والأخرى حادثة ، وكل الاحتمالات باطلة ، فالامتزاج على كل الاحتمالات باطل، أما على الأول فإن الامتزاج مفض للحدوث قطعاً لأنه تركيب بعد إفراد، وكل تركيب كذلك لا محالة حادث والحادث لا يصلح للألوهية، وأما الثاني فظاهر البطلان، وأما الثالث بوجهيه فباطل أيضاً، لأن القديمة منهما بعد الامتزاج يلزم حدوثها، والحادثة منهما بعده يلزم قدمها فيؤدى إلى قلب الحقائق وقلبها محل ويلزم أيضاً اجتماع الضدين وهو باطل باتفاق العقول ،
ولما سقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا في هذا الطريق قال لي كبيرهم: عقولنا لا تصل لهذا الأمر الدقيق،
فقلت له: هذا عندنا من علوم أهل البداية لا من علوم أهل النهاية، فبهت الذي كفر وعبس واكفهر،
ثم قلت لكبيرهم: بالله عليك أعيسى كان يعبد الصليب؟ قال: لا وإنما ظهر الصليب بعد قتله على زعمهم ونحن نعبد شبيه الاله، فقلت له: بالله عليك الله شبيه؟ قال: لا، فقلت له: يجب عليكم حرق هذه الصلبان بالزفت والقطران، فاستشاط غيظاً وقال لي: كنت أوقعك في المهالك وأجعلك عبرة لكن الله أمرنا بحب الأعداء، فقلت له: لكن الله أمرنا ببغض الأعداء، فقال لي: إذاً شريعتنا كاملة، فقلت له على طريقة الاستهزاء: شريعتكم كاملة لأنها تعبد الأصنام والصلبان، وشريعتنا ناقصة لأنها تعبد الله وحده لا شريك له، فاشتد غضبه حتى كاد أن يبطش بي ولكن الله سلم لمزيد اللطف بي،
ثم إن كبيرهم قال لي: يا محمدي إني رأيت في كتبكم الحديثية أن نبيكم انشق له القمر نصفين فدخل نصفه من كم ونصفه من الكم الآخر وخرج تاماً من جيب صدره ومساحة البدر مثل الدنيا ثلاث مرات وثلث وهي ثلاثمائة وثلاث وثلاثون سنة وثلث فما هذه الخرافات؟ فقلت له: أما ورد أن ابليس جاء لسيدنا ادريس وهو يخيط بالإبرة وبيده قشرة بيضة وقال له: أيقدر ربك أن يجعل الدنيا في قشرة هذه البيضة؟ فقال لي: نعم ورد ذلك، فقلت له: كيف يقدر؟ فقال: إما أن يكبر القشرة أو يصغر الدنيا، فقلت له: سبحان الله تحلونه عاماً وتحرمونه عاماً وإذا سلمت هذا فلم لا تسلمه لنبينا، فغص بريقه واصفر وعبس وتولى فقتل كيف قدر، وهذا الجواب مني من باب ارخاء العنان للإلزام، وإلا فدخول نصفي البدر في الكمين باطل عند جميع المحدثين الأعلام، لكن كبيرهم لا يعرف اصطلاح علمائنا ذوي المقام العالي، فلو أجبته ببطلانه لقال لي رأيته في كتبكم فلا يصغي لمقالي، فلذلك دافعته بالبرهان القطعي العقلي لأنه لا يمتثل بعد ما رآه للدليل النقلي،
ثم إن كبيرهم في ميدان البحث أنكر نبوة نبينا السيد الكامل، وقال: إنه عندنا ملك عادل، فقلت له: ما المانع من نبوته؟ فقال: نحن لا نقول بها وإنما نقول بشدة صولته، فقلت له: أليس النبي الذي أتى بالمعجزات وأخبر بالمغيبات، فقال كبيرهم: أي معجزة أتى بها وأي مغيبات أخبر بها؟ فسردت له بعض المعجزات وأعظمها القرآن وذكرت له بعض المغيبات، فقال لي: رأيت البخاري من علمائكم ذكر بعضها،
 ثم قال لي: إنما علمه ذلك الغلام، يشير لقوله تعالى: إنما يعلمه بشر، فقلت له: بالله عليك لسان ذلك الغلام ماذا؟ قال: أعجمي، فقلت له: بالله عليك لسان بيننا ماذا؟ قال: عربي، قلت له: بالله عليك نبينا يقرأ ويكتب أم أمي؟ قال: أمي لا يقرأ ولا يكتب: فقلت له: بالله عليك هل سمعت عربياً يتعلم من عجمي؟ قال: لا، فأفحم في الجواب وانقطع عن الخطاب، ثم قال لي: كيف يقول قرآنكم يا أخت هرون وبينه وبينها ألف من السنين؟ فقلت له: أنت أعجمي لا تعرف لغة العرب كيف مبناها، فقال لي: وكيف ذلك؟ فقلت له: يطلق الأخ في لغتهم على الأخ النسبي وعلى الأخ الوصفي والمراد هنا الثاني، ومعنى الآية: يا أيتها المتصفة عندنا بالعفة والديانة والعبودية مثل هرون الموصوف بتلك الصفات الكاملة، وهذا المعنى في لسان العرب شائع وفي مجاراتهم ومجاري أساليبهم ذائع، فوقف حمار الشيخ في الطين،
ولما رآني صغير السن وكان سني إذ ذاك نحو تسع عشرة سنة قال لي: تصلح أن تكون مثل ولد ولدي فمن أين جاءتك هذه المعرفة التامة؟ فقلت له: جميع ما سألتني عنه هو من علوم البداية ولو خضت معي في مقام النهاية لأسمعتك ما يصم أذنيك وفي هذا القدر كفاية، فترك المناظرة ورجع القهقري، وشاع صيتي في جزيرة مالطة بين الرهبان والكبراء، وكنت إذا مررت في السوق يحترموني، وما خدمت كافراً قط،
وكان سبب خلاصي رؤيا مبشرة من يومها ركبت سفينة النجاة متوجهاً للإسكندرية، ثم منها لمصر القاهرة، ثم سافرت للحجاز مراراً، ودخلت اليمن وعمان البحرين والبصرة وحلب ودمشق، وتوجهت للروم ثم ألقيت عصا التسيار في بيت المقدس العطير الأطوار، وجاءتني الفتيا وأنا لها كاره،
ولما وصلت للروم باب المراد وتمتعت بتلك المهاد متوجاً بتاج فتوى الحنفية إلى القدس الشريف الرفيعة العماد ثم استوطن القدس واستقر فيه بعد ان ولي إفتاء الحنفية بها إلى أن توفي في بيت المقدس في ذي القعدة. سنة 1191 هـ1777 م ودفن بمقبرة مأمن الله رحمه الله تعالى. وكان قد عزل مراراً،
وأما نظمه فهو رائق جداً فمنه قوله:
لك الله يا حادي الركاب مغلساً ... إلى الحرم القدسي رويدك فانزل
وروّى نفوساً بالمقام ولا تقل ... قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
ودعنا على بسط المسرّة والصفا ... بسقط اللوى بين الدخول فحومل
وروّح فؤادي بالوصال هنية ... بمشهد مولانا الوجيه المكمل
حديقة فضل بالمعارف أثمرت ... وشمس جمال بالمحاسن تنجلي
بديع بيان في احتكام تصرّف ... باجمال تفصيل وتفصيل مجمل
قضايا علاه بالكمال تسوّرت ... ببرهان فضل عن قياس مخصل
يحن اشتيقاقاً والهاً متولعاً ... إلى المربع السامي بدومة جندل
أراع فؤادي بالنوى وحديثه ... وسلسل دمعي بالحديث المسلسل
وأحر مني طيب المنام وإنه ... تسلم قلبي قبل يوم الترحل
فيا أيها المولى الذي حاز سيرة ... ترفق بصب بالبعاد مبلبل
ولاطفه إن حان الوداع تكرماً ... وروّق له كأس الحديث وعلل
وإن فزت بالمسرى إلى الحي والحمى ... ونحت به فامنن بحسن الترسل
وللمترجم ايضا:
لهفي على وادي العقيق وبانه ... وعريب نجد أحكموا توثيقي
شام الحداة الأبرقين فأرعدت ... مني الجوانح من لظى التفريق
يا جيرة لكم السيادة إنني ... أرجو اصطباري مبرد التشويق
وله أيضاً:
إن لاح برق الغور أو هب الصبا ... أو صاح ورق بالأرائك تصدح
أو رنم الحادي الركاب مهيماً ... فدموع جفني كالسحائب تسفح
مالي وللواشي العذول وفي الحشا ... يوم النوى نار الصبابة تسرح
وقوله:
شهدنا خفايا السرّ منه حقيقة ... بحسن تلاقينا على غير موعد
علمنا به صدق المودّة والوفا ... نتيجة حق قد خلت عن تردد
وها قد بدت مني إليك بشارة ... تحوز بها العلياء في كل مشهد
فلا زالت الأيام تهديك منحة ... بتحقيق آمال وابلاغ مقصد
وللمترجم مضمناً:
أروم وقد طال النوى طيب نظرة ... وأستخبر الركبان من كل وجهة
وأستعطف الأيام كيما تجود لي ... بحسن اتصال في خيام العشيرة
وفي كبدي حراء هاج لهيبها ... ومن فرط ما ألقى جرت عين عبرتي
على أنني للدهر أغفر ما جنى ... وأنشد بيتاً يقتضي حسن وصلتي
وكل الليالي ليلة القدر إن دنت ... كما أن أيام اللقا يوم جمعة
وله من قصيدة:
فؤادي بنار الشوق يصلي ويضرم ... ودمعي وحق العهد بالسفح عندم
ونار الغضا قد أججت بجوانحي ... على حبه والسقم عني مترجم
أراقب نجماً في الدجى نابذ الكرى ... ولو شئته ما كان للجفن ينعم
كأن جفوني بالسما قد تشبثت ... كأن ليالي الوصل بالصدّ ترغم
أمن مبلغ عني سعاداً تحية ... بسفح النقا والحب فيها محكم
سبت مهجتي لما أصابت حشاشتي ... بسهم وقيدي بالصبابة أدهم
نقضت لويلات التداني برامة ... رمت كل واش والفؤاد متيم
ومن بعد طيب الوصل شطت مراتع ... وعادت عواد للمودّة تعتم
فلا وصلها يدنو فتبرد لوعتي ... ولا مهجتي تسلو عليها فارحم
إلى كم أراع العاذلون بوشيهم ... بصد وهجر من سعادي ونمنموا
وقلبي على العهد القديم وما صفا ... ثكلتهم ما الودّ مني مصرم
عجبت لها فالعهد منها مزوّر ... وعهدي بها من عالم الذرّ مبرم
فياليتها وافت بوصل لمغرم ... شجى ولكن وعد زينب مخرم
تصرم دهري والشبيبة آن أن ... يطيب لها الترحال والبين محجم
أجيرتنا بالنير بين وحاجر ... وسلع ومن بالرقمتين مخيم
فديتكم عطفاً فنيران مهجتي ... عليّ قضت والطعم بالصد علقم
ألا ليت شعري والأماني كواذب ... تمن سعاد الحي وصلاً وترحم
وتسعدني الوجنا لأطلال جلق ... وربوتها الغرّا بها القلب مغرم
وأزهو بسفح الصالحية برهة ... وفي مرتع الغزلان أحظى وأغنم
ومن شعره قوله مضمناً المصراع الأخير:
ألا يا غزالاً في مراتع رامة ... أجزني حديثاً صح عن طرفك الا حوى
عن الغنج الساري بفاتر جفنه ... عن الدعج الداعي إلى السقم والبلوى
عن الكحل الفتاك عن وطف به ... عن الحاجب النوني شفاء بني الشكوى
فقال رويناه على الكتم بيننا ... وما كل ما ترى عيون الظبا يروى
ومراسلاته وأشعاره كثيرة ، وأخذ العلم عن أجلاء كثيرون،

المراجع :
الكتاب: إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون، المؤلف: إسماعيل بن محمد أمين بن مير سليم الباباني البغدادي (المتوفى: 1399هـ)
الكتاب: فهرس الفهارس والأثبات ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسلات، المؤلف: محمد عَبْد الحَيّ بن عبد الكبير ابن محمد الحسني الإدريسي، المعروف بعبد الحي الكتاني (المتوفى: 1382هـ)
الكتاب: هدية العارفين أسماء المؤلفين وآثار المصنفين، المؤلف: إسماعيل بن محمد أمين بن مير سليم الباباني البغدادي (المتوفى: 1399هـ)
الكتاب: سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر، المؤلف: محمد خليل بن علي بن محمد بن محمد مراد الحسيني، أبو الفضل (المتوفى: 1206هـ)
الكتاب: الأعلام، المؤلف: خير الدين بن محمود بن محمد بن علي بن فارس، الزركلي الدمشقي (المتوفى: 1396هـ)
الكتاب: معجم المفسرين «من صدر الإسلام وحتى العصر الحاضر»، المؤلف: عادل نويهض
الكتاب: معجم المؤلفين، المؤلف: عمر بن رضا بن محمد راغب بن عبد الغني كحالة الدمشق (المتوفى: 1408هـ)

عبد الله الرواس

طنجة

masrazhar: الدرر السنية في الأذكار النبوية السيد عبد الله بن ...

masrazhar: الدرر السنية في الأذكار النبوية السيد عبد الله بن ... : بسم الله الرحمن الرحيم قال صلى الله عليه وسلم "الإحسان أن تعب...