الاثنين، 15 مايو 2017



                                    
عليْكُم بِدِينِ العَجَائِز

قال العلامة الكمالي في منظومة شهود الحق:
إلهي كإيمانِ العجائزِ جُدْ فقد وصلنَ ولمْ أسلمْ من اسر التَّبَعُّدِ
فيا ليت شعري هل نجا قبلَ موتهِ من الأسرِ أمْ كان اعتباراً لمُهتدِ
قالوا: دين العجائز عند أهل السنة والجماعة أدنى مراتب الدين، إذ هو مجرد التسليم أو مجرد علم، لكن ليس هناك حقائق تفصيلية فيه.
واستطرد الأستاذ أحمد أمين قائلا: يروى عن عمر بن الخطاب أنه دعا الله أن يرزقه إيماناً كإيمان العجائز، ولم يقل كإيمان العلماء، لأن إيمان العجائز إيمان عميق، هادئ مطمئن، لا يرقى إليه الظن، ولا يحوم حوله الشك، دينهم شعور عميق بإله بلغ النهاية في الكمال، وعن هذا تصدر أعمالهم، وبلقائه تتعلق آمالهم.
وذكر عن الفخر الرازي وهو من كبار المتكلِّمين انه استخرج ألف دليل على وجود الله من الاستعاذة والبسملة وفاتحة الكتاب. وكان في زيارة لبغداد وكان خلفه أكثر من ثلاثمائة طالب ما يقول كلمة إلا ويكتبونها، فخرج الناس لرؤيته، ولم يبق أحد سمع بمقدمه إلا أتاه. وكان الناس يتهافتون للسلام عليه وقال الإمام فخر الدين محمد بن عمر الرازي للسلطان يوما: نحن في ظل سيفك فقال له السلطان: ونحن في شمس علمك.
اثناء ذلك رأت امرأة عجوز ذلك المشهد، وكانت واقفة عند بابها فتعجبت وسألت واحداً من المتجمهرين لمن هذا الموكب العظيم؟ فقالوا: إنه للإمام فخر الدين الرازي، زار المدينة وخرجنا لنستقبله، فقالت: ومن يكون فخرالدين الرازي هذا؟ فأجابها: هذا الذي جمع كتابا فيه ألف دليل على وجود الله، فضحكت العجوز فقالت بهدوء: لولا شك قد ملأ قلبه، لما طلب لله ألف دليل، وقولوا له ومتى غاب الله حتى يُستدل عليه. يا بني لو لم يكن عنده ألف شك وشك ما احتاج الى ان يعرف على وجود الله لألف دليل ودليل. أفي الله شك. وهل وجود الله يحتاج إلى دليل  
فلما بلغ هذا الإمام الرازي ما قالته العجوز رفع يديه إلى السماء ودعا الله قائلًا: اللهم إيمانا كإيمان العجائز لأنه أراد الرسوخ وعدم التزلزل. ولهذا كان الرازي مع تبحره في الأصول يقول: من التزم دين العجائز فهو الفائز. وقوله: عليكم بدين العجائز فإنه من أسنى الجوائز. وفي رواية عنه: من لزم مذهب العجائز كان هو الفائزُ. يعني الإيمان الفطري يعني الإتباع وعدم الابتداع هو إيمان العجائز  
وكانت له اوراد من صلاة وصيام لا يخل بها وكان يعاب بإيراد الشبه الشديدة ويقصر في حلها حتى قال بعض المغاربة يورد الشبه نقدا ويحلها نسيئة
لكن أحمد حسن الزيات أكد انه كان ينادي بأعلى صوته أنه مؤمن بالله وبرسوله إيماناً ساذجاً كإيمان العجائز، ولو كان في استطاعته إقامة الأدلة العقلية على البعث، لما كان إيمانه كإيمان العجائز، ذلك الإيمان التقليدي الذي يزلزله أدنى شك، ويزعزعه أقل ريب
وقَالَ الذهبي: معنى قول بعض الأئمَّةِ: عليكم بدينِ العجائزِ. يعني أنهنَّ مؤمناتٌ بالله عَلَى فطرةِ الإسلامِ، لَمْ يدرينَ مَا علمُ الكلامِ
وقال عبد المحسن البدر في قطف الجني الداني شرح مقدمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني: وقد جاء عن بعض المتكلمين وغيرهم عباراتٌ تدلُّ على أنَّ السلامةَ والنجاةَ إنَّما هي في عقيدة العجائز المطابقة للفطرة، وقد نقل شارح الطحاوية عن أبي المعالي الجوينِي كلاماً ذمَّ فيه علمَ الكلام، وقال فيه عند موته: وهَا أنا ذا أموت على عقيدة أمِّي، أو قال: على عقيدة عجائز نيسابور
وفي شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي ما يلي: وبعض المتكلمين وأئمة الاعتزال والفلسفة بعد أن حاروا في علم الكلام؛ كانوا في فراش الموت يوصون بكلمة واحدة: عليكم بدين العجائز، أي: الزموا العقيدة الصافية.
وقال الإمام أبو الفتح محمد بن علي الفقيه: دخلنا عَلَى الإمام أبي المعالي ابن الجويني نعوده فِي مرضِ موتهِ فأقعدَ، فقال لنا: اشهدوا عليَّ أنِّي قَدْ رجعتُ عنْ كلِّ مقالةٍ قلتها أخالفُ فِيهَا مَا قَالَ السَّلفُ الصَّالحُ، وأنِّي أموتُ عَلَى مَا تموتُ عَلَيهِ عجائزُ نيسابور.
قال أبو المعالي: قرأت خمسين ألفاً في خمسين ألفاً، ثمّ خلّيت أهل الإسلام بإسلامهم فيها وعلومهم الظّاهرة وركبت البحر الخضمَّ العظيم، وغصت في الّذي نهي أهل الإسلام منها، كلّ ذلك في طلب الحقّ. وكنت أهرب في سالف الدّهر من التّقليد، والآن رجعت من الكلّ إلى كلمة الحقّ. عليكم بدين العجائز. فإن لم يدركني الحقُّ بلطيف برّه، فأموت على دين العجائز، ويختم عاقبة أمري عند الرحيل على برهة أهل الحقّ، وكلمة الإخلاص: لا إله إلاً الله، فالويل لابن الجوينيّ
وقال أبو محمد الجويني والد إمام الحرمين في نصيحته لمشايخه من الأشاعرة (1/185 - مجموعة الرسائل المنيرية): فمن تكون الراعية أعلم بالله منه لكونه لا يعرف وجهة معبوده، فإنَّه لا يزال مظلمَ القلب، لا يستنيرُ بأنوار المعرفة والإيمان.
ومن العلماء الذين ترددت هذه الكلمة في حديثهم:   
أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يقول: اللهم ارزقني إيمانا كإيمان العجائز. او قال: اللهم هب لى إيمانا كإيمان العجائز. او: اللهم اجعل إيماني كإيمان العجائز.  ويقصد يقينا يخالط القلب بدون اجهاد فكر وترتيب البراهين.
وإمام الحرمين أبو المعالي الجويني، فقد ورد في ترجمته قوله: والآن رجعت من الكلّ إلى كلمة الحقّ. عليكم بدين العجائز. يعني الفطرة في الاعتقاد.
والفخر الرازي الملقب بابن الخطيب صاحب التفسير فقد ذكر في ترجمته أنه قال في آخر حياته: من التزم دين العجائز فهو الفائز.
وأبو بكر الخوارزمي الحنفي. المتوفى: 403 هـ شيخ أهل الرأي ومُفتيهم قال عنه البرقاني: سمعته يقول: ديننا دين العجائز ولسنا من الكلام في شيء.
سئل أبو المظفر عن أحاديث الصفات فقال: عليكم بدين العجائز
وقد كان العلامة أبو الفتح القشيري رحمه الله يقول
تجاوزت حد الأكثرين إلى العلا ... وسافرت واستبقيتهم فِي المفاوز
وخضت بحاراً ليس يدرك قعرها ... وسيرت نَفسِي فِي قسيم المفاوز
ولججت فِي الأفكار ثمَّ تراجع ... اخْتِيَاري إِلَى اسْتِحْسَان دين الْعَجَائِز
وقال ابن الصلاح أخبرني القطب الطوعاني مرتين أنه سمع فخر الدين الرازي يقول: يا ليتني لم أشتغل بعلم الكلام. وبكى، وروى عنه أنه قال: لقد اختبرت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فلم أجدها تروي غليلا ولا تشفي عليلا، ورأيت أصح الطرق طريقة القرآن.
وقد حكي أن الفخر حين احتضرته الوفاة وردت عليه شبه عجز عن دفعها، فصار يقول: اللهم إيمانا كإيمان العجائز. ونقل عنه انه أنشد عند موته:
نهاية إقدام العقول عقال ... وأكثر سعي العالمين ضلال
وأرواحنا في حشة من جسومنا ... وحاصل دنيانا أذى ووبال
ولم نستفد في وحشة من جسومنا ... سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا
وكم من رجال قد رأينا ودولة ... فبادوا جميعا مسرعين وزالوا
وكم من جبال قد علت شرفاتها ... رجال فماتوا والجبال جبال
 جمع واعداد عبدالله بن عبد اللهالرواس

ليست هناك تعليقات:

masrazhar: الدرر السنية في الأذكار النبوية السيد عبد الله بن ...

masrazhar: الدرر السنية في الأذكار النبوية السيد عبد الله بن ... : بسم الله الرحمن الرحيم قال صلى الله عليه وسلم "الإحسان أن تعب...