السبت، 23 ديسمبر 2017


النوم أثناء الخطبة 
كنت لا أدرى لما ذا يهجم علي النوم كلما جلست استمع لخطبة فقيه حينا يوم الجمعة.. حتى قال لي جليس: إذا لم يفهموا ناموا.. قلت له: هل فهمت أنت شيئا؟ قال: النوم لغو قلت: معكم مجبر أخاك على النوم لا بطل.. لكنها ليست قاعدة مطلقة معي.. وأشرت له إلى بعض النائمين بجنبي 
لفقيه حينا صوت رقيق ينمل الحواس.. لقد أوشكت على الحفظ عن ظهر القلب كل خطبه.. بل كنت قد بدأت في استظهار بعضها.. يتكرر المضمون والكلمات في كل مناسبة على طول السنة.. 
حتى جاء خطيب جديد.. صوته جوهري يأخذ بحواسك ويسمعك نبض قلبك.. اخذ بناصية عقلي.. لم يداعبني النوم هذه المرة.. ولم يخطر في بالي امر النوم حتى قيل لي : هل شبعت النوم؟ قلت لهم: لم يعتريني النعاس بالمرة.. لقد جاء خطيب نشيط.. كلماته فيها حمولة اليقظة.. 
مسكين فقيهنا القديم.. كان يربت علي بكلماته الرتيبة.. وسرده الممل.. لا أجد نفسي إلا وانا أتثاءب بوهن وأصارع النوم بتعب.. فلا البث أن استسلم للنوم.. ولكن بلا شخير
الرواس عبدالله طنجة 

السبت، 28 أكتوبر 2017

اخلع نعليك

تحلقنا للرقص الصوفي نبض الكون والايقاع الإلهي ..كلهم تخلصوا من نعالهم بطريقة أو بأخرى إلا أنا قال:
اخلع نعليك قلت له: الأرض باردة قال: لا يجوز الرقص في النعال قلت له: الصلاة جائزة في النعال والقدسية لمن للرقص أم للصلاة
قالوا: عندك إزهار! قلت: لم أراه إلا في السوق
قال: هل تعرف القرد الفلاحي؟ قلت: كلنا يعرف القرد في الغابة!

ابتسم.. مد إلي الشيك البنكي وهو يقول: لا.. بنك القرد الفلاحي.. أريد عنوانه.. قلت له وانا أشير إلى المكتوب: هذا بنك القرض الفلاحي بالضاد وقلت له: أية علاقة بين القرد والقرض؟
قال ابن الأبار:
وَلابْن الطراوة النَّحْوِيّ وقد خرجوا ليستسقوا على أثر قحط في يوم غامت سماؤه فزال ذلك عند خروجهم فقال:
خرجوا ليستسقوا وقد نَشأتْ ... بحريّةٌ قَمِنٌ بها السحُّ
حتَّى إذا اصطفّوا لدعوتهمْ ... وبدا لأعينهمْ بها نَضْحُ
كُشِفَ الغمامُ إجابةً لهمُ ... فكأنَّما خرجوا ليستصْحوا
وقد سبقه إلى معناها أبو عليّ التنّوخي صاحب كتاب الفرج بعد الشدّة ومن شعره في بعض المشايخ، وقد خرج ليستسقي وكان في السماء سحاب فلما دعا أصحت السماء، فقال التنوخي:
خرجنا لنستسقي بفضل دعائه ... وقد كاد هُدْبُ الغيم أن يبلغ الأرضا
فلما ابتدأ يدعو تكشفت السَّما... فما تمَّ إلاَّ والغمامُ قد انقضى
وَمِنْه قَول بَعضهم
لما بدا وجهُ السَّمَاء لهمْ ... مُتَجهِّماً لم يُبْدِ أنَواءَ
قَامُوا ليَستسقوا الإلهَ لَهُم ... غَيْثاً فَلم يسقيهم المَاء

الجمعة، 20 أكتوبر 2017

الشاعر أبو اسحق الغزي نظم بيتا من الشعر حين نظر إلى شمعة مشتعلة وهي تحترق:
مالي أرى الشمع يبكي في مواقده
من حرقة النار أم من فرقة العسل ؟
وبلغ الخبر الشاعر صالح طه فقال على الفور :
من لم تجانسه فاحذر أن تجالسه
ما ضر بالشمع إلا صحبة الفتل ..
يحترق الشمع  لوجود شيء فيه ليس من جنسه ألا وهو الفتيلة التي ستحترق وتحرق معها الشمع
وهكذا يجب علينا انتقاء من يناسبنا من البشر ،حتى لا نحترق بسببهم ونبكي .....

الجمعة، 13 أكتوبر 2017

قال: هل تعرف القرد الفلاحي؟ قلت: كلنا يعرف القرد في الغابة!

ابتسم.. مد إلي الشيك البنكي وهو يقول: لا.. بنك القرد الفلاحي.. أريد عنوانه.. قلت له وانا أشير إلى المكتوب: هذا بنك القرض الفلاحي بالضاد وقلت له: أية علاقة بين القرد والقرض؟ 
عبد الله الرواس طنجة

الجمعة، 6 أكتوبر 2017

سمعت أحدهم يقول بانه كان يدخل معه المذياع إلى المدرسة فوق راسه تحت الطربوش ليستمع إلى أخبار كورة القدم وليكون على علم بأصداء كل المباريات
ولم أكن أحب الكورة ولا اهتم بأخبارها ولكن رفيقي في الغرفة أيام الدراسة كان مولعا بالكورة يلعبها ويتتبع أخبارها وكان يتخلف عن حصة الدرس لأجل أن يتتبع أخبار الكورة خاصة إذا كانت المباراة بين الفرق المفضلة لديه جارية وكم من مرة أتيته بالبطريات ليشحن الراديو حتى يتبع الأخبار على أحسن ما يرام
وحدث أن صحب أحدهم معه المذياع إلى الجامع حرصا منه على حضور الدرس وفي نفس الوقت كان حريصا على تتبع أخبار الكورة واليوم يوم الأحد والفرقة المعجب بها ستلعب في ساعة الدرس كان المذياع في جيب القميص جهة القلب وصوته خافت وضع قب الجلاب على راسه والمذياع الصغير جهة أذنه
افتتح شيخنا الدرس ونحن كلنا كأن على رؤوسنا الطير نصغى باهتمام إلى الشرح فاذا بنا نسمع وسط الدرس
كوووووووون
ما بين ضاحك ومستنكر ومستغرب كان الجميع ينظر إلى مصدر الصوت والطالب مطأطأ الراس صامت تكلم أحدهم منهيا لحظة الحرج
فرقته غلبات أسيدي جاء صوت أخر
وفرقتنا نحن انهزمت أسيدي

الرواس عبدالله طنجة
كان الرجل لا يتكلم ولا يشارك في أي نقاش وكلما تكلم إما أن يجانب الصواب أو يثير الضحك وذلك الأمر كان يستفز كبرياء امرأته حتى أصبح عرضة للسخرية فمنعته من المشاركة في أي نقاش عائلي
ومرت الأيام وهو صامت يستمع ويفحص الحضور بعينيه ويتتبع حركاتهم باهتمام حتى قيل له في موضوع ما: ما رأيك؟ فقال لامرأته: أنا وزنت الكلام فقالت: إذا وزنت تكلم يارجل فقال وعينه على أبيها: لحية أبيك تشبه لحية التيس / المعز الذي عندنا
ضحك الجميع بينما امرأته ولولت ورأسها بين يديها
واحفظ لسانك واحترز من لفظه ... فالمرء يسلم باللسان ويعطب

وزن الكلام إذا نطقت ولا تكن ... ثرثارة في كل ناد تخطب


الرواس عبدالله طنجة

الثلاثاء، 5 سبتمبر 2017

أبو العلاء المعري والغلام
 
حكي أن غلاماً من العرب لقي أبا العلاء المعري فقال: من أنت يا شيخ؟ قال: أنا أبو العلا المعري. قال: أنت القائل في شعرك:
وإنّي وإن كنت الأخير زمانه  ... لآتٍ بما لم تستطعه الأوائل 
قال ابو العلاء: نعم أنا. ففاجأه الغلام بسؤالٍ بريءٍ : ولكن الأوائل وضعوا في العربية ثمانية وعشرين حرفاً للهجاء فهل لك أن تزيد عليهم حرفاً واحدا ؟

فدهش أبو العلاء المعري من ذلك فلم يجد مخرجاً لحرَجِه وقال لمن حوله: إن هذا الغلام لا يعيش لشدة حذقه وتوقد فؤاده. فسكت لحظة ثم قال: والله ما عهدت مني سكوتاً مثل هذا السكوت 

الثلاثاء، 22 أغسطس 2017

قصة الشباب الخمسة في اختلاف الهمم والشهوات والأماني

خمسة شباب من التابعين وبعضهم استطاع أن يدرك النبي صلى الله عليه وسلم عند صغره.
هؤلاء الشباب مجتمعون عند الكعبة المشرفة. في المسجد الحرام
إنهم عبد الله بن عمر وعروة بن الزّبير ومصعب بن الزبير وعبد الملك بن مروان. وذكر العتبي عبد الله بن الزبير
اجتمع هؤلاء كلهم بفناء الكعبة، فقال لهم مصعب بن الزبير : هلمّ تمنّوا .. ليتمن كل منا على الله ما يحب لعل الله أن يستجيب لنا ما نتمناه.
فقالوا: إبدأ أنت. فقال: ولاية العراق وتزوّج سكينة ابنة الحسين وعائشة بنت طلحة بن عبيد الله، فنال ذلك وأصدق كلّ واحدة خمسمائة ألف درهم وجهّزها بمثلها. فقد تولى العراق وفارس من قبل أخيه عبد الله بن الزبير عندما حكم موت يزيد بن معاوية ويقتل هو الآخر ولا تستمر خلافته، فقال عبد الله: منيتي أن أملك الحرمين وأنال الخلافة، لقد وَلِيَ الخلافة في الحجاز حيناً من الدهر أزمانَ بني أميَّة والذي تولّى قتله الحجّاج.
فقال عروة بن الزبير لست في شئ مما أنتم فيه، منيتي الزهد في الدنيا، والفوز بالجنة في الآخرة، وأن أكون ممن يروى عنه هذا العلم. الفقه وأن يحمل عنه الحديث فنال ذلك.. حتى صار أحد الفقهاء السبعة في المدينة المنورة. وأصبح من كبار التابعين الذين دونوا الحديث "المتوفى سنة 94" كان في صباه بين لدات من أقرانه وإخوته وإخوانه بالمسجد الحرام فتمنوا الأماني من الدنيا والملك وتمنى الجنة والنساء، فلم يبق رجل منهم حتى نال أمنيته، ونال الواحدة ولا عجب أن يكون بلغ الثانية لما بلغ منيّته.
كان يقول لبنيه: «يا بني إن أزهد الناس في عالم أهله فهلموا إلي فتعلموا مني؛ فإنكم توشكون أن تكونوا كبار قوم، إني كنت صغيرا لا ينظر إلي فلما أدركت من السن ما أدركت جعل الناس يسألوني، وما شيء أشد على امرئ من أن يسأل عن شيء من أمر دينه فيجهله»            
قال هشام بن عروة بن الزبير: أحرق أبي يوم الحرة كتب فقه كانت له؛ فكان يقول بعد ذلك: لأن تكون عندي أحب إلي من أن يكون لي مثل أهلي ومالي.
وتمنّى عبد الملك بن مروان أن أملك الأرض كلها، وأخلف معاوية فنالها. بعد موت أبيه
وتمنى عبد الله بن عمر الجنة.
قال الراوي: فصرّف الدهر من صروفه إلى أن بلغ كل واحد منهم أمله، فكان عبد الملك بعد ذلك يقول: من سرّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة في الدنيا فلينظر إلى عروة بن الزبير.

عبد الله بن عبد الله الرواس طنجة

الجمعة، 11 أغسطس 2017

https://www.youtube.com/watch?v=gH8lJSYPRoU#action=share            

وسط جموع حاشدة شيع سكان طنجة، بعد ظهر اليوم، العلامة المحدث سيدي عبد الله التليدي، إلى مثواه الأخير بمقبرة سيدي المختار بحي مرشان.
وتجمعت حشود من تلاميذ العلامة وأنصاره داخل المغرب وخارجه، أمام بيته قبل التوجه إلى مسجد الجامع الكبير،هناك حيث أدى المصلون صلاة الظهر والجنازة، قبل أن يحملوا نعش الهالك إلى مثواه الأخير.
الجنازة شهدت، بحسب ما عاينه موقع " طنجاوي"،حضور عدد من العلماء المغاربة والفقهاء، الذين حضروا جنازة العلامة، بالإضافة إلى شخصيات أخرى بالمدينة.
موقع "طنجاوي" ينقل لكم عبر هذا الفيديو أجواء هاته الجنازة المهيبة.

الجمعة، 4 أغسطس 2017

ملك الاندلس الحمّال
الْحَاجِب الْمَنْصُور مُحَمَّد بن عبد الله بن أبي عَامر
قصة وعبرة
وَكَانَ مَكْتُوبًا على قبره:
(آثاره تنبيك عَن أخباره ... حَتَّى كَأَنَّك بالعيان ترَاهُ)
(تالله لَا يَأْتِي الزَّمَان بِمثلِهِ ... أبدا وَلَا يحمى الثغور سواهُ)
وُلد محمد بن أبى عامر عام 327هـ نشأ كمثله من أقرانه على القرآن والفقه إلا أنه كان ظاهر النجابة وكانت له حال عجيب في قوة الإرادة والطموح والسعي وراء هدفه
قال عنه ابن الآبار: أَمِير الأندلس فِي دولة الْمُؤَيد بِاللَّه هِشَام بن الحكم الْمُسْتَنْصر بِاللَّه وَالْغَالِب عَلَيْهِ أَصله من الجزيرة الخضراء ولسلفه بهَا قدر ونباهة وَقدم قرطبة شَابًّا فَطلب بهَا الْعلم وَالْأَدب وَسمع الحَدِيث وَكَانَ أَبوهُ أَبُو حَفْص عبد الله قد سمع الحَدِيث أَيْضا وَصَحب أَبَا مُحَمَّد الْبَاجِيّ الراوية فِي الْأَخْذ عَن الشُّيُوخ بقرطبة
وَكَانَت للمنصور همة ترمى بِهِ المرامي وَيحدث نَفسه بِإِدْرَاك معالي الْأُمُور وَيزِيد فِي ذَلِك حَتَّى كَانَ يحدث من يخْتَص بِهِ بِمَا يَقع لَهُ من ذَلِك فتم لَهُ مُرَاده وَكَانَ أحد أَعَاجِيب الدُّنْيَا فِي ترقيه وَالظفر بتمنيه،
يروي لنا التاريخ تفاصيل لقصة حدثت في الأندلس في الدولة الأموية عندما كانت في أيدي المسلمين أنه كان هناك ثلاثة من الشباب يعملون حمّارين / حمالين، يحملون البضائع للناس من الأسواق إلى البيوت على الحمير مقابل اجرة معلومة سلفا، يحمل أمتعة الناس من السوق إلى بيوتهم بواسطة حمار له وكان كل يوم على تلك الحالة يعمل في حمل أمتعة الناس، وفي ليلة من الليالي وبعد يوم من العمل الشاق تناولوا العشاء وجلس الثلاثة يتسامرون
سأل صاحبنا أصحابه: ماذا يتمنى كل واحد منكم ان يكون في المستقبل؟ لم يجبه أحد منهم لم يكن لهم اما اكث مما هم فيه، والسبب أنهم كانوا راضين عن واقعهم، ولم يكن عندهم الاستعداد للإجابة، فقال لهم: اما انا فأتمنى ان أكون حاكما للأندلس، فأجابوه باستغراب: حاكم للأندلس فقال محمد: افترضا أني خليفة ماذا تتمنيا؟ فقالا يا محمد: إن هذا غير ممكن فقال محمد: قلت لكما افترضا جدلاً أني خليفة، فقال أحدهم: هذا محال وقال الآخر: يا محمد أنت تصلح حمّال أما الخليفة فيختلف عنك كثيراً ومتى كان الحمال خليفة؟ وقال لأحدهما: ماذا تتمنى أيها الرجل؟ فقال: طالما أنك مُصِر إذن أريد حدائق غنّاء قال محمد: وماذا بعد؟ قال الرجل: إسطبلاً من الخيل عاد محمد وقال: وماذا بعد؟ أكمل الرجل: أريد مائة جارية قال محمد: وماذا بعد؟ قال: أريد أيضا مائة ألف دينار ذهب ثم ماذا بعد؟ قال: ويكفي ذلك يا أمير المؤمنين
وبينما هو كذلك التفت إلى صاحبه الآخر وقال: ماذا تريد أيها الرجل. فقال بسخرية: يا محمد فق من خيالك إنما أنت حمّال، والحمال لا يصلح أن يكون خليفة، فقال محمد: يا أخي افترض جدلاً أنني الخليفة ماذا تتمنى؟ فقال الرجل وقد ازدادت سخريته: أن تقع السماء على الأرض أيسر من وصولك إلى الخلافة. فقال محمد: دعك من هذا وقل ماذا تتمنى فقط؟ فقال الرجل وهو يضحك: إسمع يا محمد إذا أصبحت خليفة اجعلني على حمار ووجه وجهي إلى الوراء وأمر منادي يمشي معي في أزقة المدينة وينادي أيها الناس هذا دجال محتال من يمشي معه أو يحدثه أودعته السجن،
انتهى الحوار ونام الجميع ومع بزوغ الفجر استيقظ محمد وصلى صلاة الفجر وجلس يفكر كان يفكر ويقول في نفسه: ما هي الخطوة الأولى للوصول إلى الهدف؟ باع الحمار وهو كل ما يملك وذهب إلى الشرطة مختاراً وبدا يعمل فيه بكل اجتهاد ونشاط حتى نال إعجاب الرؤساء والزملاء والناس ومع السنين ترقى في عمله حتى أصبح رئيساً لقسم الشرطة في الدولة الأموية في الأندلس،
قال ابن الآبار: تصرف أول أمره فِي الْوكَالَة لصبح أم هِشَام وَالنَّظَر فِي أموالها وضياعها وَالْجد ينْهض بِهِ والأقدار تساعده إِلَى أَن توفّي الحكم الخليفة الأموي وقلد بعده ابنه هشام المؤيد بالله الْخلَافَة وَهُوَ صَغِير وعمره في ذلك الوقت عشر سنوات فقط، وهل يمكن لهذا الطفل الصغير من إدارة شئون الدولة؟ فأجمعوا على أن يجعلوا عليه وصياً، ولكن خافوا أن يجعلوا عليه وصياً من بني أمية فيأخذ الملك منه، فقرروا أن يكون هناك مجموعة من الأوصياء من غير بني أمية، وتم الاختيار على محمد بن ابي عامر وابن ابي غالب والمصحفي، وكان محمد ابن أبي عامر مقرب إلى صبح أم الخليفة واستطاع أن يمتلك ثقتها، ووشى بالمصحفي عندها وأزيل المصحفي من الوصاية،
وزوج محمد ابنه بابنة ابن أبي غالب، ثم أصبح بعد ذلك هو الوصي الوحيد، ثم اتخذ مجموعة من القرارات، فقرر أن الخليفة لا يخرج إلا بإذنه، اخضعه للرقابة وللإقامة الجبرية، وقرر انتقال شئون الحكم إلى قصره، وجيَّش الجيوش وفتح الأمصار واتسعت دولة بني أمية في عهده، وحقق من الانتصارات ما لم يحققه خلفاء بني أمية في الأندلس حتى اعتبر بعض المؤرخين أن تلك الفترة فترة انقطاع في الدولة الأموية، وسميت بالدولة العامرية،
قال ابن الآبار : وَلما انْتقض الْعَدو على إِثْر ذَلِك وَخيف الِاضْطِرَاب وَلم يكن عِنْد المصحفي غناء وَلَا دفاع، ضمن مُحَمَّد بن أبي عَامر لصبح أم هِشَام سُكُون الْحَال وَزَوَال الْخَوْف واستقرار الْملك لابنها على أَن يمد بالأموال وَيجْعَل إِلَيْهِ قَود الجيوش إِلَى مَا كَانَ بِيَدِهِ من الخطط السّنيَّة وَهُوَ بِقُوَّة نَفسه وسعادة جده يعد النَّصْر وَلَا يمترى فِي الظُّهُور ويستعجل الْأَسْبَاب الْمعينَة على الْفَتْح حَتَّى أسعف ولقى الْعَدو فَهَزَمَهُ ووالى غَزْو بِلَاد الرّوم عالي الْقدَم مَنْصُور الْعلم لَا يخْفق لَهُ مسعى وَلَا يؤوب دون مغنم كرة بعد أُخْرَى، إِلَى أَن صَار صَاحب التَّدْبِير والمتغلب على جَمِيع الْأُمُور، فدانت لَهُ أقطار الأندلس كلهَا، وَأمنت بِهِ وَلم يضطرب عَلَيْهِ مِنْهَا شَيْء أَيَّام حَيَاته، لحسن سياسته وَعظم هيبته، وَكَانَ رُبمَا أنذر خاصته بِمَا يكون وَرَاءه من الْفِتَن، حَتَّى ليكدر عَلَيْهِم مجَالِس أنسه بِمَا يلقى من ذَلِك إِلَيْهِم، فَوَقع الْأَمر على مَا توقع، وَجرى الْقدر بِمَا قدر على ذَلِك، فَمَا زَالَ يبطش بأعدائه وَيسْقط من فَوْقه بقهره واستيلائه، إِلَى أَن صَار الْخَلِيفَة حِينَئِذٍ هِشَام بن الحكم لَيْسَ لَهُ من الْأَمر غير الِاسْم خَاصَّة، فَمَا ظَنك بِرِجَالِهِ ومواليه الَّذين مِنْهُم كَانَ يرهب، وبهم كَانَ يتمرس، هَذَا ونصرته على النَّصَارَى مُتَوَالِيَة وغزواته فِي كل صائفة مُتَّصِلَة، أَزِيد من خمسين عدهَا ابْن حَيَّان فِي كِتَابه فِي أَخْبَار الدولة العامرية وَجعله لمن شَاءَ خزله عَن تَارِيخه الْكَبِير أَو ضمه إِلَيْهِ حَتَّى أذعن لَهُ مُلُوك الرّوم وَرَغبُوا فِي مصاهرته تنَاول ذَلِك كُله بتأييد إلهي مُدَّة طَوِيلَة وأورثه بنيه وقتا قَصِيرا
وفي أواخر سنة 371 هـ (أواخر 981 م) اتخذ ابن أبي عامر سمة الملك، فتسمى بالحاجب المنصور، وأمر بالدعاء له على المنابر، ونفذت الكتب والأوامر باسمه عن الحاجب المنصور أبي عامر محمد بن أبي عامر، ونقش اسمه في السكة وقبَّل المسئولون وكبار الموظفين والوزراء يده عند المثول لديه، وأصبح هو كل شيء، واجتمعت حول شخصه وحول داره مظاهر الجلالة الملكية، وتم بذلك استئثاره بجميع السلطات والرسوم ولم يبق من الخلافة الأموية سوى الاسم،
كان من أعظم من حكم الأندلس على الإطلاق، الرجل الذي وطأت خيله أماكن لم يطأها خيل المسلمين من قبل، يكفي ذكر اسم المنصور بن أبى عامر أمام ملوك قشتالة وليون وجيليقية ليجثوا على ركبهم من الرعب والهلع، كان لربما الواحد منهم أرسل ابنته جارية عند المنصور في قرطبة لينال رضاه، ووصلت جيوشه الى حيث لم يصل حاكم أو خليفة قبله قط، ومن أعاجيب هذا الملك أن أغلب جنوده كانوا ممن وقعوا في السبي فأسلموا، ولم يتفق هذا لغيره من الأمراء، ولا لغيره من الملوك، ولم تهزم له راية قط، وكانت له غزوات في الصيف، وأخرى في الشتاء، وبلغ مجموع غزواته ضد الصليبين في أسبانيا وغيرها أكثر من 54 غزوة في الأندلس، فلم تنتكس له فيها راية ولم تهلك له سرية ولم ينهزم له جيشٌ قط،
ومما يؤثر عنه أنه كان يجمع غبار المعارك فتوضع معه كحنوط، أو لتصنع منها لبنات توضع في قبره، وكان مرة من المرات يمر بين جبلين، وقد كان يفعل الأفاعيل بجيوش الصليبيين، ومرة اجتمعوا خلفه يريدون حصاره وجيشه، فما كان منه إلا أن نصب البيوت في بلاد الأسبان، ثم قال: نحن لا نكاد نصل إلى بلادنا إلا وقد جاء وقت الغزوة الأخرى، ولذا فسنقيم هاهنا إلى وقت الغزوة الأخرى، فإذا غزونا عدنا،
ثم ظل يقاتلهم حتى يئسوا منه، فما زال الفرنجة يسألونه أن يرحل إلى أن ألزمهم أن يحملوا على دوابهم الغنائم والسبي، وأن يمدوه بالطعام والمال ما يزوده في طريق عودته إلى أن يصل إلى بلاد المسلمين، وأن يحملوا وينحوا دية القتلى بأنفسهم إذ ظل يسير قرابة أربعة أشهر في الجبال الشاهقة، وغزا مدينة تسمى شمس ياقب، وقد سميت هذه الغزوة باسم شمس ياقب، وكانت أعظم مدن النصارى بعد بيت المقدس، وكان غزوه لها سنة 387 هـ ووصل إلى أقصى مكان من أسبانيا في بلادهم، ومن ذلك الأقوال المأثورة لهذا الملك العظيم: الملك لا ينام إذا نامت الرعية، قال: ولو استوفيت نومي لما كان في دور هذا البلد العظيم عين نائمة، يريد أنه لو نام لاحتلت جيوش الغزاة بلاد المسلمين،
هكذا صنع الحاجب المنصور محمد ابن أبي عامر، واستطاع باستغلال القدرات الكامنة التي منحه الله إياها أن يحقق أهدافه على صعوبتها، ويبدأ صاحبنا بوضع يده على الخطوة الصحيحة، واستطاع ان يحقق حلمه ويحكم الأندلس وأصبح الحاكم الوحيد الذي توسعت فيه أراضي الأندلس إلى أكبر مساحة وتحققت على يديه الفتوحات، وكثرت بناء المساجد في عهده، انه الحاكم الحاجب المنصور وبعد ثلاثين سنة من بيع الحمار والحاجب المنصور يعتلي عرش الخلافة وحوله الفقهاء والأمراء والعلماء تذكر صاحبيه الحمارين/ الحمالين، أمر الحاجب المنصور وزيره ان يبحث عن صاحباه فأرسل يطلبهما أحد الجند وقال له: اذهب إلى مكان كذا فإذا وجدت رجلين صفتهما كذا وكذا فأتي بهما ووصل الجندي ووجد الرجلين بنفس الصفة وفي نفس المكان، فوجدهم في السوق كل منهم يعمل في نقل الأمتعة بحماره كما كانوا،
قال الجندي: إن أمير المؤمنين يطلبكما،
قالا: أمير المؤمنين إننا لم نذنب، لم نفعل أي خطا،
قال الجندي: أمرني أن آتي بكما، ووصلوا إلى القصر دخلوا اليه، نظرا إلى الخليفة،
قالا باستغراب: إنه صاحبنا محمد
قال الحاجب المنصور: اعرفتماني؟
قالا: نعم يا أمير المؤمنين ولكن نخشى أنك لم تعرفنا
قال: بل عرفتكما، ثم نظر إلى الحاشية وقال: كنت أنا وهذين الرجلين معا قبل ثلاثين سنة وكنا نعمل حمارين وفي ليلة من الليالي جلسنا نتسامر فقلت لهما: إذا كنت خليفة فماذا تتمنيا؟ فتمنيا والآن أحقق ما تمنيا،
ثم التفت إلى أولهما وقال: ماذا تمنيت يا فلان؟
قال الرجل: حدائق غنّاء
فقال الخليفة: لك حديقة كذا وكذا وماذا بعد؟
قال الرجل: اسطبل من الخيل،
قال الخليفة: لك ذلك، وماذا بعد؟
قال الرجل وهو مذهول: مائة جارية ومائة ألف دينار ذهب
قال الخليفة: لك ذلك، ثم ماذا؟
قال الرجل: كفى يا أمير المؤمنين،
قال الحاجب المنصور: ولك راتب مقطوع يعني بدون مقابل وتدخل عليّ بغير حجاب،
ثم التفت إلى الآخر وقال له ماذا تمنيت؟
قال الرجل أعفني يا أمير المؤمنين،
قال: لا والله حتى تخبرهم
قال الرجل: الصحبة يا أمير المؤمنين،
قال: حتى تخبرهم
فقال الرجل:
قلت إن أصبحت خليفة فاجعلني على حمار واجعل وجهي إلى الوراء وأمر منادي ينادي في الناس أيها الناس هذا دجال محتال من يمشي معه أو يحدثه أودعته السجن
قال الحاجب المنصور محمد ابن أبي عامر: افعلوا به ما تمنى حتى يعلم (أن الله على كل شيء قدير. )
وعَلى مَا كَانَ عَلَيْهِ من الهيبة والرهبة فقد كَانَ لَهُ حلم وَاحْتِمَال مَعَ محبَّة للْعلم وإيثار للأدب وإكرام لمن ينتسب إِلَيْهِمَا، يحْكى أَن أَبَا مُحَمَّد الْبَاجِيّ الراوية دخل على الحاجب المنصور وقال أصلحك الله يَا حَاجِب وحفظك ووفقك وَأحسن عونك، فَرد عَلَيْهِ ابْن أبي عَامر أجمل رد وبجله ووقره وَأدنى مَكَانَهُ حَتَّى أقعده إِلَى جَانِبه وَقَالَ لَهُ: كَيفَ أَنْت الْيَوْم وحالك؟ فَقَالَ لَهُ: بِخَير مَا كنت به ثمَّ قَالَ لَهُ الْبَاجِيّ: أَي وَالِد كَانَ لَك رَحْمَة الله عَلَيْهِ كَانَ وَالله مَا علمت من أهل الْخَيْر والعافية وَالصَّلَاح والعفة والحرص على الطّلب والمعرفة، اخْتلف معي إِلَى مُحَمَّد بن عمر بن لبَابَة وَإِلَى أَحْمد بن خَالِد وَإِلَى مُحَمَّد بن فطيس اللبيرى وَغَيرهم، وَكَانَ لي خير صديق وَصَاحب أنتفع بِهِ وَينْتَفع بِي وأقابل مَعَه كتبه وكتبي وَلم يكن فضولياً الْبَتَّةَ وَأما أَنْت فَلم تمتثله وأدخلت يدك فِي الدُّنْيَا فانغمست فِي لجها وَطلبت الفضول فَعلمت أَخْبَارًا كَثِيرَة وأوبقت نَفسك وَالله يَا مغرور وَعز على انتسابك فَقَالَ لَهُ ابْن أبي عَامر: يَا فَقِيه هَكَذَا صَاحب الدُّنْيَا لَا بُد أَن يخلط خيرا بشر وَيَأْتِي مَعْرُوفا ومنكراً وَالله يَتُوب على من يَشَاء برحمته، وَسَأَلَهُ الْبَاجِيّ إِثْر هَذَا رفع الغرامة عَن مَاله بإشبيلية فَأمر بإسقاطها وَوَصله ببدرة دَرَاهِم كَامِلَة ومنديل كسْوَة تشاكله فِيهَا خلعة تَامَّة،
روى شجاع الملك المستعين بن هود القصة التالية: قال: عندما ذهبت لمقابلة ملك النصارى ألفونسو وجدته في مدينة تالي، وقد نصب على قبر الحاجب المنصور سريره، وامرأته متكئة إلى جانبه، فقال لي: يا شجاع! أما تراني قد ملكت بلاد المسلمين، وجلست على قبر ملكهم، فحملتني الغيرة على أن قلت له: لو تنفس صاحب هذا القبر -الحاجب المنصور -ما سمع منك ما يكرهه، قال: فهم أن يبطش بي، فحالت امرأته الملك بيني وبينه وقالت: صدقك والله،

عبدالله الرواس - طنجة

الجمعة، 28 يوليو 2017


الشيخ أبو يعقوب يوسف بن أيوب بن يوسف بن الحسين بن وهرة الهمذاني  


وَحكى إِمَام الشَّافِعِيَّة فِي زَمَنه أَبُو سعيد عبد الله بن أبي عصرون قَالَ: دخلت بَغْدَاد فِي طلب الْعلم فَوَافَقت ابْن السقا ورافقته فِي طلب الْعلم بالنظامية وَكُنَّا نزور الصَّالِحين وَكَانَ بِبَغْدَاد رجل يُقَال لَهُ الْغَوْث يظْهر إِذا شَاءَ ويختفي إِذا شَاءَ فقصدنا زيارته أَنا وَابْن السقا وَالشَّيْخ عبد الْقَادِر وَهُوَ يَوْمئِذٍ شَاب
وابن السقا فقيه من أعيان القرن الخامس الهجري. وكان لكل واحد منهم نيّة خاصة في زيارته للشيخ يوسف الهمداني،
وهم في الطريق إلى زيارة الشيخ يوسف الهمذاني سألوا بعضهم لماذا نذهب لزيارته؟
 فقال ابن السقا لصاحبيه وَهم سائرون: اليوم أريد أن أسأله سؤالا أحيّره فيه، لأسألنه مسألة لَا يدْرِي ولا يعلم لَهَا جَوَابا، إن قصدي من زيارة الشيخ أن أمتحنه في علوم الشريعة وأن أبين جهله للناس المغترين به.
وابن عصرون قال: وَقلت لأسألنه مسألة وَأنْظر مَا يَقُول فِيهَا، سأطلب منه الدعاء لي بالغنى ومزيد من المال، أريد زيارته لأتبرك فيه،
 وقال الشَّيْخ عبد القادر الجيلاني: أما أنا فقد قيل لي عن صلاحه ومناقبه سأزوره لأتبارك به ولأتقرب بصحبته ومحبته إلى الله، وسأسأله الدعاء لي، لا أسأله بركة ولا امتحانا، معاذ الله أن أسأله شيئا أَنا بَين يَدَيْهِ أنْتَظر بركَة رُؤْيَته بل أتبرك برؤيته، وأنا أعلم أن الشيخ يُقصد باب إلى الله، ولعل الله أن يفتح عليّ ببركة الشيخ،
قال: فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ فَلم يروه في مكانه إِلَّا بعد سَاعَة وهم على هذه الحال وإذا بالشيخ يظهر أمامهم وهو جالس، فَنظر الشَّيْخ إِلَى ابْن السقا مغضبا وهو لا يعرفه وَقَالَ:
- وَيحك يَا ابْن السقا لعلك جئت تَسْأَلنِي عن مسألة لَا أَدْرِي لَهَا جَوَابا، يابن السقاء أرى الجدال والكفر بين عينيك. لعلك جئت إلينا تسألني عن كذا وكذا مسألة لا أعرف جوابها؟ هي كذا. وجوابها كذا. وكان قد ذكر أمورا كان ابن السقا قد أضمر العزم على أن يسأل الشيخ عنها. وأجابه عنها.  ثم قال له: إِنِّي لأرى نَار الْكفْر تلتهب فِيك، ثم التفت لابن عصرون قائلا:
- انت تقصدنا للبركة ، وإذا أردت البركة فاذهب إلى مكة ، لتغمرنّك ولتخزن الدنيا إلى شحمتي أذنيك بإساءة أدبك. سيأتيك المال إلى هنا وأشار إلى أعلى صدره، ثمَّ نظر إِلَى الشَّيْخ عبد الْقَادِر وَأَدْنَاهُ مِنْهُ وأكرمه، ثم خاطبه قائلا:
- يَا عبد الْقَادِر لقد أرضيت الله وَرَسُوله بِحسن أدبك كَأَنِّي أَرَاك بِبَغْدَاد وَقد صعدت الْكُرْسِيّ متكلما على الْمَلأ وَقلت قدمي هَذِه على رَقَبَة كل ولي الله وَكَأَنِّي أرى الْأَوْلِيَاء فِي وقتك وَقد حنوا رقابهم إجلالا لَك ، ثمَّ غَابَ عَنَّا فَلم نره ،
ثم إن عاقبة كل من ابن السقا وابن عصرون كانت كما قال الشيخ، صدق قوله فيهم جميعا، رزق ابن عصرون من المال ما جعله أغنى الناس في عصره وقبره في دمشق في المنطقة التي تسمى اليوم بالعصرونية.
قال ابن أبى عصرون:
-وأما الشيخ عبد القادر فقد ارتقى حتى ظهرت أمارة قربه من الله تعالى. وأجمع عليه الخاص والعام. وقال: قدمي هذه على رقبة كل ولى لله في زمنه، وأقرت الأولياء بفضله في وقته لَهُ بذلك،
-وأما ابن السقاء فانه قد تكرر سوء ادبه مع الشيخ يوسف بمفرده ومع أصدقائه، وان كان يحفظ القرآن وقارئًا له،  محمودًا ومجوداً في التلاوة، فانه كان معتداً بعلومه ومعارفه الدينية في العقيدة والفقه وكان مشهوداَ له بذلك، و اشتغل بالعلوم الشرعية حتى برع فيها، وفاق كثيرا من أهل زمانه، واشتهر بقطع من يناظره في جميع العلوم، وكان ذا لسان فصيح وسمت بهي، فأدناه الخليفة منه، وتم الاختيار عليه ليكون مبعوث الخليفة، فأوفده الخليفة مبعوثا عنه إلى بعض ملوك الفرنجة، ملك الروم بالقسطنطينية ليناقش النصارى هناك في شؤون الدين، وذلك بدعوة من الملك ورغبه منه في ذلك، ونزل ضيفاً مكرماً على الملك نفسه، فرآه الملك ذا فنون وفصاحة وسمت فأعجب به، وجمع له القسيسين والعلماء بدين النصرانية وناظروه فأفحمهم وعجزوا فعظم عند الملك وزادت فتنته،   
وأوعز إلى ابنة له أن تتزين وأن تقوم على خدمته وإكرامه، وكانت حسناء فافتتن وتعلّق قلبه بها وطلب الزواج منها وسأل الملك أن يزوجها به، فأبى الملك وامتنعوا من تزويجها منه إلا أن يتنصر، فأجابه إلى طلبه وتنصر، وتم إعلان ذلك في الأوساط، ثم إنهم أنهوا استضافته وأهملوا شأنه وأبوا أن يزوجوه منها ولم تتزوجه هي، فهام على وجهه،
ثمَّ مرض فألقوه بِالسوقِ وبدا يسْأَل الْقُوت فَلَا يُجَاب، وعلته كآبة وَسَوَاد حَتَّى مر عَلَيْهِ من كان يعرفهُ فَقَالَ لَهُ: مَا هَذَا قَالَ: فتْنَة حلت بِي سَببهَا مَا ترى قَالَ لَهُ: هَل تحفظ شيأ من الْقُرْآن قَالَ: لَا إِلَّا قَوْله {رُبمَا يود الَّذين كفرُوا لَو كَانُوا مُسلمين}  
قَالَ: ثمَّ خرجت عَلَيْهِ يَوْمًا فرأيته على المزابل َ كأَنَّهُ قد حرق وجاءه الموت وَهُوَ فِي النزع فذكّروه بالشهادة فلم يستطع أن ينطق بها وهو يقول: الشيخ يوسف أمسك لساني فلا أقدر، فقبلته إِلَى الْقبْلَة فَاسْتَدَارَ إِلَى الشرق فعدت فَعَاد وَهَكَذَا إِلَى أَن خرجت روحه ومات على مزبلة وَوَجهه إِلَى الشرق وَكَانَ يذكر كَلَام الْغَوْث وَيعلم أَنه أُصِيب في دينه بِسَبَبِهِ. نسأل الله أن يحفظنا من سوء الخاتمة،
وقال الحافظ أبو عبد الله محمد بن محمود المعروف بابن النجار البغدادي في تاريخ بغداد في ترجمة يوسف الهمذاني: سمعت أبا الكرم عبد السلام بن أحمد المقرئ يقول: حدثني من رآه في القسطنطينية ملقى على دكة مريضاً، وبيده مروحة خَلَقة يدفع بها الذباب عن وجهه، قال: فسألته: هل القرآن باق على حفظك؟ قال: ما أذكر منه إلا آية واحدة: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} [الحجر: 2] والباقي نسيته. وقضى نحبه متنصراً مهملاً في أسواق القسطنطينية. نعوذ بالله من سوء القضاء،
وفي تاريخ ابن خلكان، في ترجمة الإمام يوسف بن أيوب الهمذاني الزاهد صاحب الكرامات والأحوال: أنه جلس يومًا للوعظ، واجتمع إليه الناس، فقام مِنْ بينهم فقيه يعرف بابن السقا، وآذاه، وسأله عن مسألة، فقال له: اجلس؛ فإني أجد من كلامك رائحة الكفر، ولعلك أن تموت على غير دين الإِسلام، ثم مضى ذلك، وقدم رسولُ ملكِ الروم على الخليفة، فخرج ابن السقا مع الرسول إلى القسطنطينية، فتنصَّر، ومات نصرانيًا،
وفي كتاب صب الخمول: قال الشيخ الصالح أبو الفضل صافي بن عبد الله الصوفي: حضرت مجلس شيخنا يوسف الهمذاني في النظامية، وكان قد اجتمع عليه العالم من الناس، فقام فقيه يعرف بابن السقا، وسأله عن مسألة وأذاه بالكلام، فقال له الشيخ يوسف: اجلس، فإني أجد من كلامك رائحة الكفر، ولعلك تموت على غير دين الإسلام، 
قال أبو الفضل: فاتفق بعد هذا القول بمدة أن قدم رسول نصراني من ملك الروم إلى الخليفة، فمضى إليه ابن السقا، وسأله أن يستصحبه، وقال له: يقع لي أن أترك دين الإسلام، وأدخل في دينكم؛ فقبله النصراني، وخرج معه إلى القسطنطينية، والتحق بملك الروم، وتنصر، ومات على النصرانية،
قَالَ ابْن أبي عصرون:
 - وأما أنا فجئت إِلَى دمشق. فأحضرني السلطان الصَّالح نور الدين الملك الشهيد وأكرهني على ولاية الأوقاف فوليتها، فكلّفوه بتسجيل وإحصاء أوقاف المسلمين، فكانت تفوته صلاة الظهر والعصر، وهو منشغل في الدنيا حتى إلى ما بعد صلاة العشاء، قال: وَأَقْبَلت علي الدُّنْيَا إقبالا كثيرا،
وقد صدق قول الغوث فينا كلنا،  
قال الهيثمي في الفتاوى الحديثية: وَفِي هَذِه الْحِكَايَة الَّتِي كَادَت أَن تتواتر فِي الْمَعْنى لِكَثْرَة نَاقِلِيهَا وعدالتهم فِيهَا، أبلغ زجر وآكد ردع عَن الْإِنْكَار على أَوْلِيَاء الله تَعَالَى خوفًا من أَن يَقع الْمُنكر فِيمَا وَقع فِيهِ ابْن السقا من تِلْكَ الْفِتْنَة الْمهْلكَة الأبدية الَّتِي لَا أقبح مِنْهَا وَلَا أعظم مِنْهَا نَعُوذ بِاللَّه من ذَلِك ونسأله بِوَجْهِهِ الْكَرِيم وحبيبه الرؤوف الرَّحِيم أَن يؤمننا من ذَلِك وَمن كل فتْنَة ومحنة بمنه وَكَرمه،
قال الدَّميريُّ في كتاب حياة الحيوان بعد هذه الحكاية: فانظر يا أخي كيف هلك هذا الرجل، وخذل بالانتقاد، وترك الاعتقاد، نسأل الله السلامة، قال: فعليك يا أخي بالاعتقاد، وترك الانتقاد على المشايخ العارفين، والعلماء العاملين، والمؤمنين الصالحين، فإن حرابهم مسمومة، فقلَّ مَنْ تعرض لهم وسلم، فسلِّمْ تسلَمْ، ولا تنتقدْ تندمْ، واقتدِ بإمام العارفين، وعلامة العلماء العاملين، ورأس الصديقين في وقته الشيخِ عبد القادرِ الكيلانيِّ، لما عزم على زيارةِ الغوثِ بمكة، وقال رفيقاه ما قالا، فقال: أما أنا، فأذهب على قدم الزيارة والتبرك، لا على قدم الإنكار والامتحان، فآل أمرُه إلى أن قال: قدمي هذا على رقبة كلِّ وليٍّ لله، وآل أمرُ أحدِ رفيقيه إلى الكفر، وترك الإيمان؛ كما اتفق في هذه الحكاية، وآل أمرُ الآخر إلى اشتغاله بالدنيا، وتركِه خدمة المولى. نسأل الله التوفيقَ والهدايةَ والإماتة على الإيمان بالله وبرسوله، والاعتقاد الحسن في أوليائه وأصفيائه بمحمد وآله، انتهى كلامه،
كان أبو يعقوب صاحب الأحوال والمواهب الجزيلة والكرامات والمقامات الجليلة، وإليه انتهت تربية المريدين الصادقين، وكان قد برع في الفقه، ففاق أقرانه، خصوصاً في علم النظر، قدم بغداد ولازم الشيخ أبا إسحاق الشيرازي، واشتغل عليه حتى برع في أصول الفقه والمذهب والخلاف، وسمع الحديث من جماعة ببغداد وأصبهان وسمرقند، ثم زهد في الدنيا، ولزم العبادة والرياضة والمجاهدة حتى صار من العلماء الذين يهتدي بهم الخلق إلى الله عز وجل، وعقد له مجلس الوعظ في المدرسة النظامية في بغداد، وصادف قبولاً عظيماً من الناس وكان الشيخ أبو إسحاق يقدمه على جماعة كثيرة من أصحابه، مع صغر سنه، لزهده وحسن سريرته واشتغاله بما يعنيه، ثم ترك كل ما كان فيه من المناظرة، واشتغل بما هو الأهم من عبادة الله تعالى ودعوة الخلق وإرشاد الأصحاب إلى الطريق المستقيم، ونزل مرو وسكنها، وخرج إلى هراة وأقام بها مدة، ثم سئل الرجوع إلى مرو في آخر عمره فأجاب، ورجع إليه، وخرج إلى هراة ثانياً، ثم عزم على الرجوع إلى مرو، وخرج فأدركته منيته في الطريق، فدفن ثم نقل بعد ذلك إلى مرو، ونقل ذلك ابن النجار في تاريخه عن السمعاني،
وفي سنة خمس وثلاثين وخمس مائة توفي أبو يعقوب يوسف بن أيوب بن يوسف الهمذاني، الفقيه الفاضل العالم الباني،

عبد الله الرواس - طنجة



masrazhar: الدرر السنية في الأذكار النبوية السيد عبد الله بن ...

masrazhar: الدرر السنية في الأذكار النبوية السيد عبد الله بن ... : بسم الله الرحمن الرحيم قال صلى الله عليه وسلم "الإحسان أن تعب...